هل يخفى على كل صاحب نشاط صناعي أو تجاري أو خدمي أن كل ريال أو دولار يتم توفيره من التكاليف هو صافي ربح، بينما كل نمو في المبيعات بمقدار ريال أو دولار سوف يمر على منصة حسم التكاليف المباشرة وغير المباشرة لنحصل على بضع هللات أو سنتات في صافي الأرباح؟!
هل يخفى على أي تنفيذي أو صاحب نشاط تحدي إدارة التدفقات النقدية والذي هو حصيلة لأفضل ما يمكن تحقيقه تشغيلياً من أيام الاحتفاظ بالمخزون (Days Inventory) أو مكونات تجهيز الخدمة قبل عمليات البيع، وأيام مديونية الموردين (Days Payable) التي هي حصيلة لجودة العلاقة مع الموردين وجودة التفاوض، وكذلك أيام مديونية العملاء (Days Receivable) والتي هي نتيجة قدرة إدارة وفريق المبيعات على فرض و/أو اقتراح فترة تسهيلات السداد الممنوحة للعميل بناءً على الوضع التنافسي لمنتجنا أو خدماتنا؟! حسب منظومة بورتر “Porter Forces”.
هل يخفى على كل صاحب نشاط صناعي أو تجاري أو خدمي أن إدارة المشتريات التي تقع تحت مظلة وضمن نطاق إدارة سلاسل الإمداد هي نقطة قوة لو تحدثنا عن التحليل التنافسي (SWOT)، لكنها – ربما – غير فاعلة أو غير مستغلة بشكل جيد، إما كنتيجة لضعف الكادر وعدم تمكنه من تأدية دور قوي والاستفادة من الشراء كنقطة قوة، أو كنتيجة لإهمال الإدارة التنفيذية للمشتريات أو كنتيجة لضعف جودة طرق عمل الإدارة أو مزيج من كل ما ذكر؟!
يدرك كثير من التنفيذيين وأصحاب الشركات والمؤسسات أهمية ودور إدارة سلاسل الإمداد في مواجهة عدد من التحديات التي تواجه قطاعات الأعمال المختلفة والتي قد تصبح معضلات في بعض الأحيان – وعلى رأسها:
- تحدي توفير البضائع “Availability” في الأنشطة التجارية واستدامة التوريد وعدم الانقطاع في طلبات العملاء والزبائن “Business Continuity”.
- تحدي استدامة وانسيابية توفر المواد الخام والأساسية لأي عملية تصنيعية في قطاعات الصناعة المختلفة.
- تحدي استدامة واستمرارية توفر الأصناف للمتاجر الإلكترونية خاصة المتاجر الناشئة منها وعلى وجه التحديد الأصناف سريعة الحركة وذات الطلب العالي من قبل الزبائن كالعلامات التجارية المشهورة، والتي قد تزيد من ركود بقية الأصناف في المتجر والتي يتم شراؤها في معظم الأحيان كباقة مصاحبة للمنتج الأساسي أو منتجات العلامات التجارية المشهورة.
- تحدي جودة واتمام تجهيز الخدمات من الباطن والتي تمكِّن أي شركة خدمية من استكمال نظم عقد الخدمة التي تقدمها ومن ثَمّ تقديمها للعملاء بدون إشكالات تثير استياء العملاء أو الزبائن، سواء كانت هذه الخدمات هي جزء من تكوين الخدمة التي نقدمها أو خدمات مساندة ضرورية لإتمام التوريد كالخدمات اللوجستية وغيرها.
- أخيرا وعلى درجة عالية من الأهمية، تحدي إجمالي تكلفة المنتج أو الخدمة “total delivery cost” وما يمكن أن يتبقى للشركة ومساهميها من صافي أرباح.
في الحقيقة لم يعد مجرد خلق الوعي العام والثقافة العامة حول إدارة سلاسل الإمداد – على أهميته – هو التحدي، فالوعي والثقافة بإدارة سلاسل الإمداد والأدوار المأمولة من وجودها بدأ بالانتشار في مجتمعات المال والأعمال – بل وفي تزايد – كنتيجة للتوجه العام للقيادة في المملكة العربية السعودية ورؤية المملكة 2030 ومنها “برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية” والذي يهدف الى “ تحويل المملكة إلى قوة صناعية رائدة ومنصة لوجستية عالمية“، والذي انعكس على إقامة العديد من المؤتمرات والملتقيات الهامة وورش العمل، وكذلك انعكست في توجهات الجامعات والكليات التي اتجهت لإضافة التخصصات ذات الصلة بسلاسل الإمداد والخدمات اللوجستية ضمن باقة التخصصات الإدارية، بالإضافة إلى إسهام العديد من مراكز التدريب والتأهيل في خدمة المجال، مما جعل الوعي بأبجديات ومفردات المجال بمستوى جيد بل وفي تزايد، ويبقى التحدي الأكبر والأهم هو في التنفيذ خاصة في القطاع الخاص بقطاعاته المختلفة صناعية وتجارية وخدمية، ويبقى التحدي أمام التنفيذيين ورجال الأعمال وفرق عملهم هو في قدرتهم على بناء القدرة لإدارة سلاسل الإمداد (Building the SCM Capacity) وفي تطويرها وإحداث نقله ان كانت متوفرة وتعمل بشكل بدائي وتقليدي (شراء، نقل، مخازن) تعمل كردة فعل للطلبات الواردة فقط دون استهداف لتحقيق قيمة فارقة وحل إشكال أو تحدي تشغيلي أو مالي.
بناء القدرة لإدارة سلاسل الإمداد (Building the SCM Capacity) – التوجهات والغايات:
في اعتقادي إن البداية تكمن في وضع التوجهات والتي يجب أن تكون محددة وواضحة من أعلى مستويات المنظمة إلى أدنى المستويات التشغيلية، وفي الحد الأدنى أن تتضمن التوجهات التالية:
- ضمان توفر المواد والبضائع دون انقطاع “Availability & Supply Sustainability” عن العملية التصنيعية أو عمليات البيع للزبائن / والعملاء، بما يحد من أو يمنع انقطاع المواد والمنتجات ويفقد الشركة فرص إيراد وبيع.
- ضبط التكاليف (Cost Management & Control) ومنع أشكال الهدر المالي (Loss-Elimination)، بما يساهم في تحسين مؤشرات الربحية.
- تحسين مؤشرات الكفاءة المالية (أيام المخزون DI– أيام الموردين DP– أيام العملاء DR)، بما يدعم تحسين مؤشرات السيولة النقدية للشركة ودورة النقد “Cash Cycle”.
- البناء التنظيمي “Building The SCM Organization” لإدارة سلاسل الإمداد متضمناً بناء السياسات والأنظمة وبناء الكوادر، وضمان تحقيق مستوى من الالتزام “Compliance”.
ولا يكفي أن تكون التوجهات والغايات واضحة للقيادة وللتنفيذيين، بل لا بد من التأكد من إبلاغها والتواصل بها لمنسوبي الشركة / المؤسسة على كافة المستويات التشغيلية، فالأهم – لتحقيق نجاح حقيقي وقيم مضافة – أن تكون تلك التوجهات والأهداف مما لا رجعة فيه، وعلى التنفيذيين أن يوصلوا رسالة لفرق عملهم مفادها أن الرحلة لتحقيق تلك الغايات هي تذكرة ذهاب باتجاه واحد (One-Way-Ticket)، فمتى ما أدرك منسوبي الشركة أن القيادة جادة وصارمة في التوجهات وتبذل الممكن لدعم تحقيقها ونجاحها بل وتتابع تنفيذها باهتمام عالي وبشكل دائم، سوف ينتظم الجميع للعمل على المساهمة كل من موقع عمله في تحقيق المطلوب، وفي الحدود الدنيا سيساهم الفريق في منع الهدر أو التقليل من فرص ارتفاع التكلفة (Cost Avoidance).
بناء القدرة لإدارة سلاسل الإمداد (Building the SCM Capacity) – الهيكلية والجوانب التشغيلية:
ولبناء القدرة التشغيلية، فالقائمة التالية تقدم بعض المحددات والتي لا يسع المقام لتفصيلها، ويكفي في هذا المستوى من القلادة ما أحاط بالعنق:
- هيكلة إدارة سلاسل الإمداد أو إعادة هيكلة الإدارات الحالية “Re-Structuring” (شراء – مخازن – نقل / شحن) بما يعزز العمل المتكامل كمنصة ومنظومة واحدة بدلاً من العمل كجزر متفرقة.
- التأكد من قدرات الكوادر واستكمال النقص سواء من خلال استقطاب كوادر مؤهلة أو من خلال برامج التدريب والتأهيل لمن من كوادرنا الحالية لم يشيخ ذهنياً وفكرياً على التعلم واكتساب مهارة.
- تعزيز وحدة أو مهمة التواصل والتنسيق الداخلي “Internal Communication” بين إدارة سلاسل الإمداد والإدارات المعنية بالإمداد (المبيعات – المالية – التصنيع – الجودة بحسب السياق)، ومن الجيد أن يقنن ذلك من خلال وثيقة الخدمة الداخلية “Service Level Agreement SLA” لضبط التوقعات البينية وتقليص الضبابية.
- تطوير سياسة عامة لإدارة سلاسل الإمداد (SCM Policy) تحوكم قرارات وعمليات التوريد والإمداد.
- الإبلاغ على كافات مستويات الهيكل الوظيفي عن التوجهات والغايات الاستراتيجية المطلوبة من إدارة سلاسل الإمداد والأطراف ذات الصلة من كافة الإدارات”، وتعزيز كونها مهمة الجميع وبشكل تضامني.
- التأكد من ترجمة الغايات الاستراتيجية إلى خطة تشغيلية “SCM Operational Plan” تتضمن مستهدفات ونتائج يمكن قياسها.
- وضوح منظومة مؤشرات قياس الأداء “KPI’s” لإدارة سلاسل الإمداد حتى لا تذهب الخطة ادراج الرياح، فكل ما لا يقاس لا يدار أو لا يدار بفعالية وكفاءة.
إن الغرض العام والمحوري لإدارة سلاسل الإمداد هو تحقيق وإضافة قيمة للشركة وعملائها من خلال ضمان توفير البضائع والخدمات بشكل مكتمل وفي الوقت المتوقع (IFOT)، وتحقيق توفير في إجمالي التكلفة (Value Creation & Surplus)، وبالتالي تحسين ربحية النشاط، وأن مجرد قراءة مجملة لقائمة دخل الشركة أياً كان قطاع عملها سيجد أن قدر كبير من موارد الشركة المالية وسيولتها النقدية تتجه لتغطية إجمالي تكاليف قد تتراوح في المتوسط بين 70 – 98%، وهو الأمر المحفز وبقوة لكبار التنفيذيين والمدراء من حولهم وفرق عملهم لبذل المزيد من الاهتمام والاستثمار في بناء القدرة في بعد إدارة سلاسل الإمداد وتحويل التوجهات إلى نتائج تعظم الربحية وتعزز الوضع التنافسي للشركة.
للاطلاع على “الخارطة الذهنية لإدارة سلاسل الإمداد والخدمات اللوجستية – SCM Mental Map”عبر قناتنا على اليوتيوب
هل لديك أي سؤال حول هذا الموضوع؟ تواصل معنا
مستشار إداري متخصص في مجال التقييم والفحص الإداري والتنظيمي وخدمات إعادة الهيكلة، تحكيم وتحديث الخطط الاستراتيجية والتشغيلية، وتطوير الأداء المؤسسي، بالإضافة إلى تقديم برامج تدريب مدعومة بمشاريع تطبيقية.