يعتبر موضوع تقييم الأداء الوظيفي من المواضيع التي يتجدد الحديث عنها كلما اقتربنا من نهاية كل عام مالي، ولا يختلف ممارسو وعلماء الإدارة التنفيذية أن تقييم الأداء هو من الإجراءات الهامة في المؤسسات والشركات لارتباطه بالعنصر البشري الذي هو محور أساسي في الأداء والإنتاجية، وتستهدف هذه المقالة التذكير ببعض الجوانب والتنبيهات الهامة المؤثرة في جودة إجراءات تقييم الأداء وفي تحسين العائد منه، كما تهدف المقالة الى اقتراح قائمة من المعايير العملية في التقييم والمستوحاة من أفضل الممارسات في المجال مع النماذج ذات الصلة بما يساهم في جعل عملية تقييم الأداء تحقق أفضل عائد ممكن وقيمة مضافة.
أولاً: إشكالية الزهد في عملية التقييم نتيجة تجارب خاطئة
للأسف الشديد يحجم ويمتنع بعض المدراء من تفعيل تقييم الأداء بسبب تجربة سابقة سلبية وغير ناجحة في تطبيق التقييم، مما يجعل العديد من الجهات أو الرؤساء التنفيذيين ومدراء العموم يزهدون في إعادة عمل تقييم الأداء وبدلاً من تصحيح الخطأ في الممارسة ينقلون الشركة من وضع خاطئ إلى متاهة لا يدركون أثرها إلا بعد مدة …. فلنحافظ على مهمة تقييم الأداء ونصحح المسار في الممارسة.
ثانياً: ضرورة تناغم واتساق أداء الموظفين مع أداء الشركة
يجب ألا نعزل تقييم أداء الموظفين (Performance Appraisal) عن الصورة الكلية لإدارة الأداء (Performance Management)، فما تقييم الأداء إلا المشهد الأخير من عملية أشمل ودائمة خلال العام نطلق عليها “إدارة الأداء Performance Management”، ولذلك وتحت هذا المفهوم العام وعند تنفيذ التقييم نتنبه للتالي:
أ– هل يعقل أن يكون متوسط نتيجة تقييم كوادر مدراء الشركة خاصة في معيار “الإنتاجية Productivity” 90% (4.5 من 5) بينما الأداء الفعلي للشركة 75% (3.75 من 5) ونتائجها مقارنة بالموازنة وكذلك ما تم إنجازه من قائمة المشاريع والمبادرات المختلفة مقارنة بالقائمة المطلوب تحقيقها؟!، وفي المقابل هل يعقل أن تحقق الشركة نتائج نمو تفوق المخطط له مثلا 130% بينما متوسط تقييم كوادر الشركة لا يتجاوز 75% ؟!، في كلا الحالتين هناك خطأ أو مجموعة أخطاء تحتاج لفحص ومعالجة والوضع يختلف بحسب الكيان وتفاصيله.
ب- يلزم أن ننظر إلى متوسط تقييم كل إدارة أو نشاط من أنشطة الشركة جنباً إلى جنب إلى نسبة مساهمة تلك الإدارة أو ذلك النشاط في نتائج أعمال الشركة الكلية.
ج- يراعي عند تقييم الإدارات والأقسام المختلفة وجود إدارات إيرادية يسهل قياس نتائجها بالأرقام في مقابل إدارات خدمية وداعمة وعملها مساند للعملية الإنتاجية ولا يمكن للإدارات ذات الطبيعية الايرادية أن تحقق إنجازاً متميزاً بدونها.. فكيف نقيم إنتاجية تلك الإدارات بشكل عادل ومنطقي؟
د- تشمل عملية تقييم الأداء بالإضافة إلى معيار الإنتاجية والذي يستحوذ على النصيب الأكبر من وزن التقييم جوانب السمات الشخصية للكادر والتي تعد المسبب وراء الإنتاجية ومعيار الالتزام والذي يعتبر ضرورة لا غنى عنها في أي عمل مؤسسي يبحث عن الاستدامة (الرسم -1)، وهو قالب يعزز فكرة أن الشركات والمؤسسات ليست أرقام مجرده بل هي أرقام وجوانب وأسباب لما وراء الأرقام وتحقيقها أو الإخفاق في تحقيقها، فالأرقام ليست وليدة الصدفة بل هناك – بعد توفيق الله عز وجل – أسباب وكوادر وبذل وراء كل نجاح في مقابل مسببات وإخفاق خلف كل فشل وضعف أداء.
ثالثاً: الأسئلة الحرجة وإجابتها
عزيزي سعادة الرئيس التنفيذي وحضرة المدير العام – تكرماً لا أمراً – تأكد بعد كل عملية تقييم أن تستضيف مدراء الأنشطة والإدارات على كوب من الشاي أو القهوة ثم تطرح عليهم التساؤلات التالية:
أ- لكل موظف حصل على 5/5 أو 4/5 السؤال: يرجى شرح وتوضيح ما الإنجاز الذي تحقق للحصول على نتيجة ممتاز (4) وما الإنجاز الخارق للعادة الذي ترتب عليه حصول الموظف على درجة متميز (5)؟ إذا كان الإيضاح والتبرير مقنع وهناك اتساق بين التقييم بدرجة ممتاز أو متميز مع نتائج الشركة ونتائج الإدارة فنحن أمام أخبار سعيدة تستحق الحفاوة والتقدير والمكافأة والتقدير… وإذا كان العكس فسيكون اللقاء فرصة لتصويب بوصلة المدراء الذين لا يدركون أمانة ومسؤولية التقييم وأن التقييم المفرط في الإيجابية غش للشركة وتضليل للموظف، وظلم لموظفين في إدارات أخرى تحت إدارة مدراء أكثر دقة في التقييم أو من النوع المتحفظ.
ب- لكل موظف حصل على نتيجة 1 أو 2 من 5، السؤال: كيف تحتفظ الشركة أو الإدارة بكوادر أداؤها تحت المتوسط؟ وما مبررات ذلك؟ ماذا قدمت الإدارة للتعامل مع إصلاح وضع هذه الشريحة من الكوادر وإصلاح أوضاعها؟ إن وجود كوادر متدنية الأداء هو سبب في تدني نتائج أعمال الشركة وتدني جودة خدماتها، كما أن عدم وجود تصور للتحسين أو التطوير أو الاستبدال مشكلة أكبر، وبالطبع لا بد مع ترك مساحة عادلة في الإجراءات لتظلم الموظف في حالة التقييم المتدني، كما يلزم مساءلة المدراء في حالة التقييم غير العادل والمتعسف.
رابعاً: ماذا بعد تقييم الأداء؟
حول مترتبات ما بعد تقييم الأداء نتساءل: هل يلزم أن تقوم الشركة بعد تقييم الأداء بإجراء زيادات على الراتب أو اعتماد ترقية البعض أو صرف مكافأة للبعض الآخر؟
أ- إن إجراء تقييم الأداء هو شأن ضروري ولازم إدارياً بغض النظر عن قرار إحداث زيادة أو ترقية أو صرف مكافآت، وهي إجراءات ومترتبات لا شك مهمة لكنها مبنية على نتائج الشركة واعتماد مخصص – وهو أمر لازم – للزيادات والمكافآت لمن ساهم في الإنجاز وكذلك على وجود شاغر يتم ترقية الموظف عليه أو رتبة وظيفية أعلى محتملة للمتميزين.
ب- إن ربط عملية تقييم الأداء بحتمية صرف مكافآت أو إحداث زيادات على الأجور أو ترقيات يدفع بعض المدراء إلى التهرب وعدم الحرص على إجراء التقييم خوفاً من التبعات المالية؟!! فيجب أن تلزم الشركات بالتقييم لتكوين سجل تراكمي حول أداء الموظفين، حتى إذا ما قررت ورغبت إدارة الشركة أن تحدث تحسينات أو ترقيات في مميزات موظفيها وجدت في سجلاتها وقاعدة بياناتها ما يدعم منطقية وعدالة أي قرار، فقرار تقييم الأداء ملزم كإجراء يجب أن يحترم، وقرار الزيادة والمكافأة والترقية قرار مرتبط بنتائج أعمال الشركة ويعتمد على نتائج التقييم.
ج- لحل الإشكال تتجه عدد من الشركات أثناء عملية إعداد الموازنة التقديرية السنوية إلى اعتماد مخصص للزيادة في الأجور في حال تحقيق نتائج الأعمال بشكل % مقبولة مخطط لها على الأجور الشهرية للشركة، وكذلك اعتماد مخصص لمكافآت تصرف بتوزيع ملائم على كل من شارك في تحقيق نتائج الأعمال، فتصبح العملية معرفة مسبقاً قبل بداية كل عام مالي ولا داعي لأي جدل نهاية كل عام.
د- إن من أبرز الجوانب التي تترتب على تقييم الأداء هي نقاش نتائج التقييم مع الموظف، وهو إجراء أساسي لا تلتزم به بعض الشركات والمؤسسات ولا تهتم إدارة الموارد البشرية بالتأكد من تنفيذه، وما ينبني عليه من إبلاغ للموظف بنتائج أداء والاتفاق معه على الشكل التصويبي والتحسيني المستقبلي.
خامساً: نموذج مقترح لتقييم الأداء الوظيفي
يقدم النموذج (الشكل-2) قالبا مقترحا لتقييم الأداء يرتكز على نتائج الأداء (الإنتاجية Productivity) وكذلك العوامل المسببة لتحقيق النتائج من (سمات شخصية Personal Competencies) وكذلك معيار (الالتزام Compliance)، مع تعريف مختصر عملي لتفسير المعيار، مع التنويه على ضرورة مراعاة اختلاف الوزن النسبي لكل معيار بحسب المستوى الوظيفي فـ % معيار الإنتاجية تزداد نزولاً في الهيكل الوظيفي بينما تزداد % معيار السمات الشخصية صعوداً في الهيكل على النحو الموضح في النماذج، ولا بأس من اقتراح توزيع للنسب بما يناسب طبيعة النشاط.
لمزيد من التفاصيل حول تقييم الأداء وطريقة إستخدام النماذج يمكنك مشاهدة الفيديو التالي:
هل لديك أي سؤال حول هذا الموضوع؟ تواصل معنا
مستشار إداري متخصص في مجال التقييم والفحص الإداري والتنظيمي وخدمات إعادة الهيكلة، تحكيم وتحديث الخطط الاستراتيجية والتشغيلية، وتطوير الأداء المؤسسي، بالإضافة إلى تقديم برامج تدريب مدعومة بمشاريع تطبيقية.
ما شاء الله أبو يوسف تقييم الأداء موضوع هام جداً وفي توقيت ممتاز
الله يسعدك اخي محمود
ارجو ان تتم الفائدة والقيمة المضافة من المقال
فعلا تقييم الأداء أداة هامة فعالة إذا ما أحسن توظيفها بشكل صحيح .
للأسف غالبية المدراء لا يحسنون الاستخدام بعيدا عن الشخصنة و المزاجية و الجهل بضوابط التقييم و أهدافه و الاستفادة منه .
و أوصي بالتدريب و التطبيق الصحيح .
شكررا على هذه الإضاءات القيمة .
الله يسعدك د. مريم
شكرا جزيلا لمرورك الكريم على المقالة
وما افدتم به من أن “((غالبية المدراء لا يحسنون الاستخدام بعيدا عن الشخصنة و المزاجية و الجهل بضوابط التقييم و أهدافه)) ”
هو موجز مختصر وعميق لجانب من الاشكالية لدى قطاع من المدراء
وهي إضاءة غير مستغربة من قامة علمية مثلكم
اكثر من رائع يامستشار عبدالباسط السفياني ماشاء الله
استحسانكم الكريم لما كتبت هو شرف لي
شكرا جزيلا لحسن ظنكم اخي محمد