عوائق النجاح في التحول من إدارة المواد إلى إدارة سلاسل الإمداد

عوائق النجاح في التحول من إدارة مواد إلى إدارة سلاسل الإمداد

عندما هممت بكتابة المقال بدا لي العنوان المبدئي “عوامل النجاح في التحول من إدارة المواد إلى إدارة سلاسل إمداد، وفي ذهني قضايا تخدم فنياً هذا العنوان وهي مزيج من حصيلة تجارب شخصية ومشاهدات لتجارب فشل ونجاح، ثم تأملت البنود وعناصر الموضوع من زاوية كونها ضرورات نجاح أو تكميليات تساهم في تحسين الصورة وتجميل المشهد؟! … فوجدتها إلى المعنى الأول أقرب، أي أنها ضرورات وأن غيابها أو غياب بعض منها سيشكل خلل ونقص وتعثر في تحقيق الوصول لإدارة سلاسل الإمداد… فوجدت مناسبة العنوان “عوائق النجاح…” لمناسبة لواقع الحال أكثر من مفردة “عوامل نجاح …”.

إن إدارة المواد “Materials Management Organization” هي إدارة تجمع بين أقسام ووحدات المشتريات والمخازن والنقل وتعمل بدرجة جيدة من التنسيق بين الأقسام مقارنة بوضع سابق كانت تعمل كجزر متفرقة وبطريقة يسودها العمل كردة فعل (Re-active) نتيجة للطلبات الواردة من الأقسام أو المستودعات أو إدارة الإنتاج، وفي المقابل فإن إدارة سلاسل الإمداد تستهدف إضافة وخلق قيمة (Values Creation) سواءً في تحسين القيمة أو كفاءة التوريد أو الكفاءة المالية، وكذلك العمل بشكل مبني على التخطيط المسبق للتوريد (Supply Planning)، واستهداف تطوير المصادر والموردين (Sourcing) بما يخدم القيم المضافة المستهدفة.

وعند الحديث عن العوائق يجب أن يكون الطرح على درجة من الوضوح والشفافية خاصة في تقييم الوضع القائم حتى نضع النقاط على الحروف في التشخيص ثم ننطلق للمعالجة والبناء الصحيح للإدارة.

أولاً: غياب تبني وإيمان قيادة الشركة “The Leadership”

إن أكثر الجوانب تأثيراً في إحداث تغيير أو عمل نقلة سواء على مستوى الشركة أو في إدارة من الإدارات بثقل وتأثير إدارة سلاسل الإمداد التي تتحكم وتدير بين 70% إلى 90%+ من تكاليف النشاط، هي قناعة قيادات الشركة وإدارتها العليا بذلك، فإذا كانت الإدارة العليا تؤمن وتتمحور حول المبيعات – وهي هامة بلا شك – أو لديهم شغف بسبب خلفياتهم المهنية بعملية الإنتاج – وهو بلا شك جانب هام – وعلى حساب درجة الاهتمام بإدارة سلاسل الإمداد بمكوناتها المختلفة، مما سينعكس على مستوى الاهتمام ودرجة الدعم ودرجة المتابعة للأداء وبالضرورة على النتائج، إن النظر لإدارة سلاسل الإمداد (مشتريات – مخازن – نقل) على أنها إدارات خدمية ومراكز تكلفة لا مراكز إيراد هو العائق الأكبر، ويجب على قيادات الشركات والمؤسسات وفي مقدمتهم الرؤساء التنفيذيين إعادة ترتيب الفكر وتوجيه البوصلة في مناطق النتائج المؤثرة “KRA’s” ومنها سلاسل الإمداد.

ثانياً: ضعف الأدوات التقنية “The Technology

في زمان تتحدث الكيانات والمؤسسات الحكومية وشبه الحكومية وقطاعات الأعمال الناجحة عن التحول الرقمي واستهدافهم الوصول الى حالة ربما مثالية جداً من “صفر ورق و صفر عمل يدوي”، لا زالت بعض الشركات والمؤسسات تستخدم أدوات بدائية يدوية أو شبه يدوية أو ربما برمجيات متواضعة وغير مترابطة في إدارات مؤثرة كإدارة سلاسل الإمداد، أو ربما لا تخطوا خطوات جادة في إحداث نقلة ولو في البنية التحتية التقنية الأساسية التي تخدم إدارة سلاسل الإمداد ومن ذلك:

  1. الربط التكاملي “Integrated” في العمليات “Transactions”، في إدارة المشتريات والمخازن والإدارات ذات الصلة كالمحاسبة والإنتاج.
  2. جانب التعامل مع البيانات وتحليلها “Data Management”، للوقوف على قراءات الاحتياجات مقارنة بالتنبؤات والخطط، وتحليل البيانات بهدف وضع خطط التوريد المستقبلية.
  3. يخدم جانب التقارير وقياس الأداء “Dashboard “، ويدعم تتبع الأداء وقراءة مؤشرات قياس الأداء المختلفة وما يتبع من تصويب ملائم.
  4. الضبط والتحكم من خلال ربط الصلاحيات “Authorities” المختلفة في الأقسام المختلفة عبر التقنية.

بصراحة متناهية الوضوح كالبلور يدركها من يقترب من إدارات وأقسام إدارة المواد – سوءاً في مجالات الصناعية أو التجارية أو الأنشطة التي تعمل في المشاريع، والتي تعمل بطرق تقنية بدائية أو بوسائل يدوية وشبه يدوية يدرك تعقيدات المشهد وأن كوادر الإدارات منهكة من العمل اليدوي وغير الدقيق، ويدرك حجم الهدر المالي ومستوى الضبابية “Uncertainty” لعدم وجود المعلومة الآنية لصانع القرار، وتأخر وصول المعلومة التي قد تحتاج لتجهيزها لأيام أو أسابيع من وقت الحاجة الفعلية لها ويصبح الفريق وقتها قد تجاوز لحظة القرار وتغيرت مكونات ميزان المركز المالي للبند، ويتعقد المشهد كلما كبر الكيان وزاد عدد الأصناف والبنود التي يتم إنتاجها أو شراءها.

ثالثاً: ضعف الكادر وأهليته “The SCM Cadres

إن تحقيق إنجاز في بُعد استدامة توفير المواد والبضائع دون انقطاع وتحقيق وفر وضبط للتكلفة تعزز القدرة على المنافسة وتحسن فرص تطوير الأرباح وتحسين مؤشرات الكفاءة المالية ودورة النقد وغيرها من التزامات إدارة سلاسل الإمداد لتحقيق قيمة للشركة، تتطلب وجود كوادر على مستوى من الأهلية والكفاءة وعلى مقياس “KSA Module” أن يكون الكادر على قدر من المعرفة “knowledge” بمفردات وأبجديات مجال إدارة سلاسل الإمداد والخدمات اللوجستية كتخصص ولديه القدر الكاف من المهارات “Skills” التطبيقية الإجرائية وقبل كل ذلك جودة التوجه والشغف لدى الكوادر “Attitude”.

إن وجود كوارد ضعيفة الهمة والطموح “attitude” في إدارة يجب أن تعمل بشغف وتحدي يومي لتحقيق نتائج، أو كوادر لديها الرغبة والحماس وينقصها الجانب المعرفي أو المهاري في زمن تتوفر فيه وسائل تحصيل المعرفة والمهارات وبشكل ربما مجاني أو بسيط التكلفة، هو عائق غير مبرر ، سواء كان ذلك الضعف بسبب قلة حرص الكوادر على التحصيل والتطوير وبناء المهارات، أو بسبب ضعف اهتمام الشركات بالاستثمار في تطوير كوارد موظفي إدارة سلاسل الإمداد بما ينعكس كمردود على أدائهم في كفاءة العمليات وتحسين التكاليف.

رابعاً: غياب العمل المؤسسي المنظم “ The Institutionalization

قد تحقق عدد من الشركات والمؤسسات نجاحات في ترشيد وضبط تكاليف الشراء والتوريد، وقد تحقق أداء نوعي في استدامة توفير المواد والبضائع والسلع وتحقيق وضع مميز مقارنة بالمنافسين، وقد تحقق الشركات والمؤسسات سبق في كسب تسهيلات توريد ممتازة من الموردين وأثر ذلك على النقد، لكنها جميعا تتحقق بسب وجود أفراد وأشخاص على درجة عالية من الالتزام والكفاءة في إدارة المواد، يتبخر ويضعف كل ذلك إذا غادرو الشركة لأي سبب كان …. لا نغفل مكانة ودور العنصر البشري لكن من الهام والملح أن يتم تحويل التجربة لعمل مؤسسي من خلال سياسات وأدلة تشغيلية ومنهجيات عمل توثق التجربة وتجعلها قابلة لإعادة التطبيق بتغير الناس ويحقق درجة من الاستدامة في الأداء، وغياب ذلك قد يشكل عائق وسبب لهبوط مفاجئ في الأداء.

خامساً: ضعف التواصل مع الأطراف أصحاب المصلحة “Communication

هذا الجانب وإن ذكر أخيراً، لكنه ليس آخراً في الأهمية والأثر، وهو من الجوانب المرنة “Soft Elements” المؤثرة جداً في نجاح أداء إدارة سلاسل الإمداد وقبل ذلك في إحداث النقلة من عمل تقليدي بدائي (شراء – تخزين – نقل) إلى إدارة تؤدي دور قيادي، والتواصل لا “الاتصال” هو شأن ذو اتجاهين ينجح بمقدار التقدير المتبادل والعمل المشترك والتكاملي بين إدارة سلاسل الإمداد وزملائهم في الإدارات الأخرى ومن ذلك:

  1. جودة التواصل مع المبيعات يسهم في ردم الفجوة بين الطلبات الفعلية والتنبؤات المسبقة بالزيادة أو النقص وأثر التغير على مستوى المخزون “Inventory Level” وماذا يمكننا عمله في اتجاه العملاء والسوق.
  2. جودة التواصل مع إدارة الإنتاج يسهم في ردم الفجوة بين متغيرات طلبات السوق وأثرها على طلبات الشراء وربما أثر تذبذب التزام الموردين وكيفية استجابة خطة الإنتاج بما يساهم في ضبط مستوى المخزون.
  3. جودة التواصل مع الإدارة المالية واسهامه في التوافق والتخطيط لمؤشرات الكفاءة المالية (أيام مخزون، أيام موردين، أيام عملاء) والتعامل الإيجابي مع مدفوعات الموردين والتسهيلات والتوافق في ظروف الشراء الموسمي وغيرها من القضايا التي تتطلب شراكة بين إدارة سلاسل الإمداد والإدارة المالية.
  4. وعلى درجة عالية الأهمية جودة التواصل مع الإدارة العليا وكبار التنفيذيين لكسب دعمهم الداعم لتبني توجه “سلاسل الإمداد” كأسلوب عمل ودعم النجاح من قبل الجميع.
  5. جودة ومستوى التواصل مع العملاء والزبائن من جهة ومع الموردين من جهة أخرى هو -بلا شك- عالي الأثر للعمل المشترك والمرن في اختيار الاستجابة والحلول المناسبة في حالات تذبذب الطلب “Demand” مقارنة بالخطط المسبقة “Forecast” وأثر ذلك على مستويات المخزون.

وفي الختام لو استقر لدينا أثر القيم المتوقعة من إدارة سلاسل الإمداد على إجمالي تكلفة النشاط وبالتالي الربحية وعلى استدامة توفير المواد والبضائع وعلى حصيلة دورة النقد وغير ذلك من القيم المضافة، سوف نهتم بشكل أفضل بمعالجة أي عوائق تحول دون إحداث تغيير من عمل تقليدي (شراء وتخزين ونقل) إلى عمل متكامل هادف يجعل من التوجهات واقع يعظم – بإذن الله وتوفيقه – الربحية ويعزز الوضع التنافسي للشركة.

للاطلاع على.. “الخارطة الذهنية لإدارة سلاسل الإمداد والخدمات اللوجستية – SCM Mental Map”.. عبر قناتنا على اليوتيوب – إضغط هنا

هل لديك أي سؤال حول هذا الموضوع؟ تواصل معنا

مشاركة المقالة

فكرتين عن“عوائق النجاح في التحول من إدارة المواد إلى إدارة سلاسل الإمداد”

  1. مقال رائع في أحد المواضيع الهامة المؤثرة على الساحة اليوم وهو سلاسل الإمداد.. في انتظار المزيد بإذن الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top
فتح محادثة سريعة
تحتاج للمساعدة؟
السفياني لاستشارات الأعمال
مرحباً..
للرد السريع من فضلك أرسل لنا عبر الواتساب.